سيرة الحدود

حياتي في عالمين وليس بين عالمين:

(تجربة شخصية وأدبية)

(موضوع المشاركة في ملتقى الشارقة للرواية في الإمارات، من 5 حتى 7 مايو 2008)

موضوع ”الأنا والآخر“ أو ”نحن والآخر“ أو ”نحن وهُم“ موضوع جدلي، جديد وقديم في آنٍ، شغلنا لسنوات وما زال، وسيشغلنا بالتأكيد في سنوات كثيرة قادمة. في رأيي أن كثيرًا من الطروحات والمناظرات والاستنتاجات ما زال- للأسف- يُعمِّق الفجوة بدلاً من أن يردمها، ينحو إلى ذكر الاختلافات واختيار النماذج المتعارضة لتحقيق بعض الطروحات من مبدأ التفريق بين الخير والشر أو الأخلاقي واللا أخلاقي أو الصواب والخطأ، على أن تكون ”الأنا“ أو ”نحن“ دائمًا هي المتفوقة على ”الآخر“ أو ”هُمْ“، رغم أن هذه الأمور ما زالت نسبية ولا يستطيع طرف أن يدعي امتلاك الحقيقة المطلقة فيها. أعتبر نفسي واحدًا من قليلين يبحثون عن أوجه التقارب- حتى في عرض المختلف- دون اللجوء إلى أفعل التفضيل، حتى يرى كلَّ نفسه في العين الأخرى.

كل طرف يحاول أن يضع ”الأنا“ أو ”نحن“ في صورة أعلى وأميَز مقابل ”الآخر“ أو ”هُم“. رغم أن كل ”أنا“ بخصائصها الذاتية والتراثية والثقافية من المفترض أن تكوِّن صورة حضارية مشتركة وأن الاختلاف ما هو إلا مظهر آخر من مظاهر التنوع اللانهائي الذي ينبغي أن يصب في تمازج وتواصل لا في تنافر وتباعد.

أنتقل إلى مدخل ثانٍ وهو مسألة القبول و”التسامح“، والأخيرة أستعملها على مضض؛ فكلمة التسامح تشي بنوع من التنازل- إلى حد ما- عن كرم أو قدرة. لا أعتقد أننا لو قلنا (إن فلانة قبلت الزواج من فلان) سيكون لها نفس معنى (إن فلانة تسامحت في الزواج من فلان)؛ فالقبول يأتي عن اقتناع وفهم في حين أن التسامح ليس بالضرورة أن يأتي عن اقتناع أو فهم.

الجهل بالمجتمعات الشرقية من الغرب وفي الغرب، والجهل بالمجتمعات الغربية من الشرق وفي الشرق ينتجان تصورات غير صحيحة لكل منهما عن الآخر، ويتم نقل هذه الصور أو التصورات وتنميطها وتحنيطها لأجيال بل والاستعانة بها في كل اشتباك وتصادم نظري بين الشرق والغرب، وقد يؤدِّي هذا لاحقًا- والتجارب تثبت تلك التحولات- إلى انتقالة من الاشتباك النظري إلى الاشتباك العملي.

الغالبية العظمى التي تكتب في الإعلام السريع والعابر تتخيّر عمدًا الصور المخالفة وأحيانًا النادرة التي لا يمكن تعميمها، لتؤكد دومًا على خلافات حادة بين ”نحن“ و”هُم“؛ رغم أن كثيرًا من الاختلافات الثقافية، في العموم، ما هي إلا مسألة طبيعية، لأنها خرجت عن سياقها المكاني والتراثي؛ فصارت نادرة أو غريبة في المكان الآخر أو ”الذهنية“ الأخرى، فأغلب من كتب عن الشرق من الغربيين لم يسافر لهذا الشرق ليرى بنفسه ما هو الشرق، والعكس أيضًا صحيح، وكثير ممَّن سافر من الطرفين كان محكومًا في الغالب بزيارات سياحية قصيرة وللعواصم فقط، وهذه عينة إخبارية ثقافية متحيزة وغير صادقة تمامًا، زمانيًّا ومكانيًّا؛ فلا الشرق هو ألف ليلة وليلة وشهرزاد، ولا هو النفط والبداوة والثراء، ولا الغرب هو موقع المرأة المتحررة المستباحة والتكنولوجيا الخيِّرة المتقدمة.
من منا هنا في الشرق حين يزور الغرب يخصص وقتا كافيا لزيارة المتاحف والمعارض والحفلات الموسيقية ودور عباداتهم؟ بل من يفكر في زيارة الريف مثلاً والأحياء النائية والأمكنة التاريخية؟ ومن هو الزائر الذي يهتم، من قبل ومن بعد، بلغات هؤلاء الناس ويقرأ أكثر عن عاداتهم وتقاليدهم وطقوسهم ..إلخ؟ من هو ذلك الفرد الذي يفهم أنه حين يزور المكان الغريب فهو الغريب هناك وليس المكان ولا الناس؟

من هذا المدخل الثاني أدلف إلى مدخل شخصي فيما يشبه الشهادة.

حياتي في عالمين وليس بين عالمين:

ولدت في القاهرة في عام 1959 لأسرة سودانية من أب من مدينة ”كوستي“ الواقعة في أواسط السودان، وأم من أصول مصرية سودانية، ولدت هي الأخرى وكل أجيالها من الجدات في مصر.
نشأتُ في منطقة نادرة وجميلة في القاهرة، كانت جميلة في ذاك الزمان في أوائل الستينات تُسمَّى ”عين شمس“ وهي مكان تاريخي قديم. المكان كان مفتوحًا لي على ثلاثة عوالم: عالم أخضر في الشمال يأتي منه الفلاحون كل صباح للتجارة، وعالم أصفر في الشرق يأتي منه البدو في الصباحات المبكرة بدوابهم ويعودون في المغارب، وعالم مثير في الجنوب إلى مركز القاهرة. في هذا المكان عشت طفولتي، بل كنا ننتقل في الصيف إلى بيت جدتي آمنة في منطقة الحسينية، فعشتُ في عالم سحريٍّ بهيج، وعشت من طفولتي أيضًا زمنًا من تلك الأصياف في منطقة العريش في شمال سيناء بحكم عمل والدي.

غادرتُ مصر إلى فيينـَّا مباشرة وأنا في الخامسة والعشرين، ومازلت أعيش في هذه المدينة المثيرة منذ أربعة وعشرين عامًا، باختصار يمكن أن أقول إنني عشتُ في مصر ربع قرن وفي النمسا ربع قرن آخر.
لم تكن هذه النقلة النوعية الثقافية إلى النمسا سهلة لي، وكنت شبه غرير في اعتقادي بأنني في ظرف عام أو عامين ستتضح لي كل الأمور وأمتلك مفاتيح الحياة هناك، فقد احتجت لسنوات للحصول على مفاتيح لكل شيء: مفتاح للغة ومفتاح للعلاقات الاجتماعية ومفتاح للدراسات الأكاديمية ومفتاح للعمل ومفتاح للعادات والتقاليد، حتى المناخ القارس البرودة احتاج أيضًا لمفتاح إضافي، إلى جانب سلسلة مفاتيح أخرى لم يكن الحصول عليها بالأمر السهل.

خروجي من مصر لم يكن خروجًا إلى منفى، بل قرارًا بإرادتي، رغم أن خروجي من القاهرة كان بفعل عوامل قاهرة لكنه كان اختياريًّا، وأقول دائمًا إنني خرجت إلى منأى لا إلى منفى.

بداية الدخول إلى عوالم الأدب جاءت تأثُّرًا واقتداءً بالوالد، كنتُ مغرمًا بمكتبته التي جمع فيها الكثير من الكتب الدينية والعسكرية، بل جلَّد الروايات السنوية- لنجيب محفوظ والعقاد وعلي أحمد باكثير ومحمد عبد الحليم عبد الله ويوسف السباعي ويوسف إدريس- في مجموعات وأجزاء، رقَّمها وطبع على المجلد من الخارج اسمه، فاعتقدت في صغري أن والدي كاتبٌ؛ إذ كان عاشقًا فريدًا للقراءة. قرأتُ بنهم كل ما كان فيها عدا الكتب العسكرية!

كتبتُ قصائد في المرحلة الثانوية متأثرًا بالحب الأول؛ قصائد كنت أقدمها لأصدقائي على أنها من شخص آخر لا يريد أن يذكر اسمه، فصار الأصدقاء يشغفون بقصائد هذا المحب العاشق ويسألون عن قصائد جديدة، لكنني لم أشِ به لهم أبدًا وكنت سعيدًا بهذا القبول منهم. كان الاعتقاد حينئذٍ ما زال ساريًا بأن الكتابة في هذا النوع من الأدب يُعتَبَر ”قلة أدب“، رغم تراثنا الأدبي الثري في هذا المجال. في ترعة قريبة من عين شمس رميت بهذه القصائد ذات عصر قبيل مغادرتي مصر للمرة الأولى!

في المرحلة الجامعية تأثرت بالمقالة الأدبية والفلسفية وكنت مغرمًا بكتابات زكي نجيب محمود، فكتبتُ الكثير من المقالات الأدبية.

في انتقالي إلى فيينـَّا وبداية حياتي الصعبة فيها دون مال أو سكن تتوفر فيه الضروريات، عشت فترة جِدَّ صعبة: دون لغة ألمانية ودون أصدقاء، وفي مناخ طارد مؤلم لم أكن أتخيله. لم يكن أمامي سوى تبطين حالي باللجوء إلى الكتابة، بصنع أصدقاء من الورق على الورق؛ باستعادة الماضي القريب الذي بدأ يخبو ويبتعد. صرت أكتب عن هذا الربع قرن الأول الذي عشته في مصر والذي يكاد يتلاشى من الذاكرة ليصبح حلمًا بعيد المنال. وأعتقد بأنني أصَبْتُ حين قررت أن أتخلص من هاجس الحلم، كحلم بعيد المنال، لأجعل الماضي صورة ملهمة في الذاكرة تثري الحاضر. وأعتقد بأنني لم أخطئ حين قررتُ أن أحول الحنين إلى جذوة تقبس منها الكتابة دون بكائيات.

وصلت إلى فيينـَّا في يناير من عام 1984. بدأت الكتابة الجادة المتواصلة بعد عامين من وصولي. بدأت النشر أيضًا في تلك الفترة في دوريات- مجلات وجرائد عربية أولاً- فتعرفت بذلك على ناشري الأول والثاني وتعرفت بالتدريج على جمع كبير من الأديبات والأدباء في أوروبا وفي العالم العربي، وأصبحت أنشر كتاباتي المترجمة إلى الألمانية في مجلات أدبية نمساوية وألمانية.

أتذكر أنني حين التقيت في لندن بالدكتور صلاح نيازي قبل عشرين عامًا تقريبًا، وكان يصدر مجلة ”الاغتراب الأدبي“، وهي مجلة أدبية كانت تُعنَى بأدب المغتربين خاصة، وكانت أول دورية أدبية تنشر لي أول قصة في أوروبا- قال لي: ”إن معظم قصصك تتناول العالم العربي رغم أنك تعيش منذ سنوات في فيينـَّا، لماذا لا تكتب عن فيينـَّا؟“
قلت له إنني لم أستوعب بعد هذه المدينة الجديدة ولا أهلها، فقط القليل من لغتها وعاداتها وتقاليدها، وأحتاج إلى حياة فيها حتى تأتي كتابتي صادقة ومقنعة، وليست كتابة سياحية عابرة.

من عام 1990 إلى عام 1993 كان قد نُشِر لي أكثر من عشرين قصة. ضمت أول مجموعة منها تسع عشرة قصة قصيرة، قدم لها الطيب صالح وهي المجموعة المعنونة بـ ”الجمل لا يقف خلف إشارة حمراء“ (القاهرة، 1993)*.

من التسع عشرة قصة المنشورة فيها هناك سبع قصص منها فقط تشير إلى الحياة في فيينـَّا. كنت ما أزال في حاجة إلى زمن لأفهم الكثير من أسرار اللغة وأفك طلاسم الإيماءات والعلامات. كنت أفهم العكس من المنطوق في اللغة الألمانية التي تأتي معظم أفعالها في نهاية الجملة. وكان إدراكي للإيماءات عصيَّا أو مستغلقًا أو مغلوطَ الفهم منِّي.
كانت أبسط الأمور يتم ترجمتها وفق قاموسي الذي أتيت به من مصر، ولم يكن مُسعفًا في أغلب المعاملات؛ فمثلاً كنت أعتقد في بداية أيامي في فيينـَّا أن الشخص النمساوي الذي يهزّ كتفيه جهلاً لما أسأله عنه؛ بأن هذا نوع من التعالي أو اللامبالاة. بعد فترة طويلة نسبيًّا أدركتُ أن هذا هو أفضل الردود من شخص لا يعرف ردًّا صحيحًا على سؤالي أو على عنوان ما مثلاً، فهو يقول بكل بساطة وحسم (نعتبرها نحن برودًا): ”لا أدري!“ وهذا رد صحيح وحاسم ومفيد.
نحن لدينا المثل الذي يقول: ”من قال لا أعلم فيما لا يعلم فقد أفتَى!“ لكننا لا نطبقه بل نغضب ممن لا يهبّ للمساعدة. في الشرق نعتبر أن الجهل في الرد على أي سؤال نقيصة، وكأن على كل شخص أن يعرف كل شيء عن كل شيء. ولا يضير الشخص الدليل أن يرسل السائل بإشارة خاطئة لأبعد مسافة لمجرد كرم شبه حاتمي، مجاني، يضيع وقته فيه معتقدًا بأنه أكرم السائل بالجواب!

في النمسا قد يصف الرجل زوجته بالفأرة كنوع من المغازلة الجميلة والمداعبة، وهذا لا يبدو في الشرق مقبولاً، فالتفريق بين الفأر والجرذ يصعب على البعض، والاثنان على أي حال ليسا من الحيوانات المحبوبة في الشرق. وبالعكس فقد تصف امرأة عربية زوجها بالجمل وهي تعني بذلك أن لديه جلدًا وصبرًا وقوة تحمل. هذا التعبير يبعث على الاستغراب في الغرب ولا يبدو بأي حال لطيفًا في حق الرجل. وقد يوصف شخص مسكين بالخنزير المسكين أو الكلب المسكين، وهو تعبير معتاد في النمسا لا غبار عليه!

هذا الميلاد في القاهرة والنشأة التربية والتعليم في مصر والأطوار التي عشتُها طفلاً ومراهقًا وشابًّا، ثم المغادرة إلى فيينـَّا للعيش في حياة جديدة مكملة، وأصر على أنها مكملة ومتواصلة؛ فهي محطات في الحياة هو ما جعلني أذكر في العنوان الفرعي السابق أن حياتي ”في“ عالمين وليست ”بين“ عالمين، وهذا محور سؤال تكرر عليَّ في الحوارات الألمانية أكثر منها في العربية، باعتباري من عالم ”آخر“ يختلف عن عالمهم.
ربع قرن من الحياة في القاهرة وربع قرن آخر في فيينـَّا هي عمر طويل. لا أشعر الآن بأنني أقع- كما يقولون النمساويون- ”بين مقعدين“. فهناك مؤثرات جديدة طرأت على حياتي الفيينـَّاوية الجديدة وغيَّرت بالتأكيد من مسار الحياة، فهناك إضافات هامة من وجودي في هذه المدينة: تجربة العمل قبل اللغة الألمانية والعمل بعد إتقان هذه اللغة، ثم الدراسة الأكاديمية ثم الانخراط في الحياة بشكل عام سواء بالارتباط بزوجة نمساوية أو الانخراط في الحياة العملية والاجتماعية حتى الحياة الأدبية والفنية، فكل هذه المعارف الجديدة وكل هذه المشاهدات الجديدة غيّرت الكثير من وجهات نظري وأضافت بالتأكيد جديدًا؛ فأصبحت أعرف أيضًا عن كثب هذا العالم الجديد الذي لم يعد بعد ربع قرن جديدًا. إضافة تجعلني أعيش ”في“ عالمين (إن جاز لي أن أقول عالمين).
”بين عالمين“ تعبِّر لي عن مكان استثنائي ليس هنا وليس هناك؛ فهو بالضرورة مكان هلامي لا يمكن أن يكون له وجود فعال؛ إذ لا غبار أن يضاف مكان إلى آخر مجازًا ليتسع المكان. وليس بالضرورة أن أكون إما هنا أو هناك أو بين المكانين. فالأمر يعد مثل اكتساب لغة جديدة فلا يمكن القول بأن من يتعلم لغة جديدة سيفقد لغته الأصلية بالتدريج. كأن مكان الاستيعاب والإضافة في مخ الإنسان هو مخزن صغير ذو مكان محدود. ولا أرى هذا الأمر ينطبق إطلاقًا على الثقافة واكتسابها.

الدفاع عن الأنا والآخر ونقد الأنا والآخر:

هذه الحياة الطويلة في فيينـَّا ووضعي ككاتب عربي أحيانًا أو إفريقي أحيانًا أخرى أو ككاتب نمساوي أوروبي في معظم الأحيان، ضمن زميلاتي وزملائي في النمسا، يعد إضافة وليس نقصا على غرار ما ذكرت من اكتساب اللغات.
ويجب أن أذكر في هذا المقال فضل كُتَّاب الشيخ علي عليَّ بعين شمس في القاهرة، وكل أستاذاتي وأساتذتي الأجلاء سواء في مدرسة الإمام محمد عبده الابتدائية المشتركة أو مدرسة النهضة الإعدادية للبنين أو مدرسة ابن خلدون الثانوية للبنين أو في جامعة عين شمس- يجب أن أذكر أيضًا أن النمسا فتحت لي المجال لأتعلم مجانًا في جامعاتها حتى أحصل على درجتي العلمية، ثم أدبيًّا، نشرَتْ لي منذ عام 1999 ثلاثة كتب بالألمانية وكتابًا آخر صدر لي في برلين في ألمانيا، ومنحتني الكثير من الجوائز والمنح الكبرى وتتحمَّل دائمًا تكاليف زياراتي ودعواتي الأدبية للدول التي لا تستطيع تحمل هذه الدعوات. وقدمتني في فرانكفورت عام 1995 حين كانت النمسا هي ضيف الشرف في ذاك العام ككاتب نمساوي من أصل إفريقي. ثم مثلتُ النمسا في أيرلندا في ”مهرجان فرانكو آيريش- 2005“ حين شاركت باسم النمسا للمرة الأولى في هذا المهرجان، وبعدها دعاني سفير النمسا في القاهرة مرتين في عامي 2005 و2006 كضيف على مصر لأقرأ في جامعة عين شمس وحلوان وأسيوط والمنيا والمدرسة الألمانية والمركز النمساوي وساقية الصاوي وغيرها.
ومنحني رئيس النمسا الثقة بدعوتي للقصر الجمهوري شخصيًّا والتعرف على أدبي في جلسة حميمة ضمت ستة أدباء وأديبات من النمسا، ثم اصطحبني معه ضمن الوفد الثقافي لزيارة مصر في العام الماضي. بل كرمتني وزارة الثقافة في النمسا هذا العام باختياري سفيرًا لعام الحوار الأوروبي للثقافات وقدَّمتني وزيرة الثقافة النمساوية في التاسع والعشرين من أبريل 2008 (هذا الأسبوع) في احتفالية كبيرة في النمسا بتنصيبي في هذا الموقع الفخري.

منحتني النمسا هذه الثقة وكرَّمتني أكثر من مرة على الصعيد الأدبي، رغم أنني في أغلب كتاباتي أنتقد المجتمع النمساوي، وأشير وأفضح تعامل شريحة منه بصلف مع الأجانب- إلا أن هذا لم يؤثر سلبًا على نشري وعلى كتاباتي وعلى تعاملي في الوسط الأدبي النمساوي خصوصًا، والألماني ثانيًا، والأوروبي بشكل عام.

لكن ليست فيينـَّا هي دومًا هذه الروضة من الجنة، كما غنتها لنا أسمهان، ففيها أيضًا النار الحارقة والباردة التي لا يحتملها بشر. والتي عشتها في سنواتي الأولى، وبما أن الأدب لا يكتب فقط عن الجميل والظاهر وإنما أيضًا عن الغائب والناقص والمطلوب؛ لذا فالأدب الجاد يعرض أحيانًا القبيح بحثًا عن الجميل، يذكر الرديء غاية في الحسن، يعرض صورة المكان القذر لنهمّ بتنظيف المكان.

قدري أن أكون في المكانين- الشرق والغرب- منحني المقدرة على أن أكون وصلة للتفاهم وعلى أن أدحض كثيرًا من الأحكام المسبقة والمغلوطة من طرف ”الأنا“ سواء هنا أو هناك عن ”الآخر“ سواء هنا أو هناك أيضًا. على سبيل المثال شاهدت العديد من الأفلام الأوروبية والأمريكية التي تقدم الشخص العربي وهو يتكلم لغة غريبة قبيحة وغير مفهومة وكان أصدقائي يسألونني: ”ماذا يقول؟“ كنت أرد: ”إنني مثلكم تمامًا لم أفهم أي كلمة!“
 فيما بعد كانوا هم أنفسهم يستحسنون اللغة العربية حين يستمعون إلى قراءة أدبية أو محاضرة، يحسون أنها لغة جميلة الصوت. والعكس أيضًا حدث حينما شاهدت مرة في مصر فيلمًا عربيًّا، ظهر فيه أحد الأشخاص يتكلم ما قُصِد به أن يكون الألمانية. تكررت بالضبط الصورة السابقة نفسها لشخص يتكلم لغة غريبة قبيحة وغير مفهومة ولم تكن الألمانية من قريب أو بعيد.
هذا الاستهتار الإعلامي والفني له أثر مؤسف على الصورة العامَّة النمطية عن الجانبين والتي تتعمق للأسوأ، بمجرد ظهور أي ظاهرة عالمية لعداء أو كراهية، لتجد وقودها في هذه الإسفافات التي ما زالت تتكرر حتى اليوم.


أكرر إن موقعي هذا في المكانين- الشرق والغرب- يمنحني المقدرة على أن أكون مدافعًا وناقدًا في آنٍ.
في روايتي ”مدن بلا نخيل“ (القاهرة، يناير 2006)**
يقول حمزة بعد أن وصل إلى إيطاليا، وهو الذي لم يتخيل يومًا أن يصل إلى عاصمة بلاده:

(أتعلّم شيئًا من الإيطالية، أتعرّف على بعض الشباب والفتيات وأستريح للعمل، وأحسّ بالاستقرار، إلى أن يأتي صاحب المرقص. رجل في الخامسة والأربعين تقريبًا، أشقر، ذو شارب رقيق، أصابعه مرصعة بعدد من الخواتم، وتتدلى من عنقه سلاسل كثيرة متشابكة، يرتدي أرقى الملابس وله سيارة ’ﭘورشه‘ غالية جدًّا كما قيل لي. كان في إجازة صيفية، وحين عاد وعلم بأنني أعمل في المحلّ جُنّ جنونه. ولم أعرف ما يحدث، فقط أسمع خلافًا وعُلوّ صوت، والخلاف بأيّ لغة مفهوم.
المشادة مع نادر بسبب عملي. يذكر له نادر– كما قال لي فيما بعد– أن المحلّ كان بحاجة لمن يعمل فيه، وأن زوجته– أيْ زوجة صاحب المرقص– قد وافقت على عملي، لكنه يأبى ويتشدّد، فهو لا يقبل بأيّ حال من الأحوال أن يعمل في محله أسود من إفريقيا.)

ثم يقول حمزة بعد أن عاد إلى بلاده واقترب من قريته

(أسمع من القادمين أنباء غير سارة عن اكتساح المجاعة مناطق أخرى بالسودان، وعن انتشار الأمراض والأوبئة، أخشى أن يكون قد أصاب أمي أو أختيَّ مكروه، فلم أسمع عنهن أخبارًا منذ زمن طويل، وقد ابتلعتني الغربة بعيدًا، وبقيت هكذا في هذا العالم الغريب، أسير لا أعرف إلى أين، أتخبّط في حوائط مجهولي، وقَدَرِي يرسم لي طريقي مُسيّرًا فيما أريد، مُخيّرًا فيما لا أريد، لا أعلم ماذا أفعل. ضاعت مني الملامح والمعالم والطريق، ولا من مرشد ولا هادٍ ولا منير.)

أما في رواية بيت النخيل (القاهرة، فبراير 2006)*** فسنرى الشخصية نفسها حمزة وهي تعود مجددًا هذه المرة إلى فيينـَّا، يقول في بداية الرواية:

(المدن الفقيرة أكثر رحمة بالفقراء والمساكين من المدن الغنية. المدن الفقيرة لا تقدّم مقارنات ليدرك الفقير كم هو في أسفل درك من الدنيا؛ فالكل في العدم سواء. المدن الغنية قسوتها مُبالَغ فيها، تقدّم للغني وجهَ رفاهيةٍ إضافيًّا بما ليس لدى الآخرين أو بما لا يستطيعه الآخرون. في هذه المدن يكثر ترديد جمل تبدأ بمثل هذه الكلمات:”لدينا كذا وكذا! لديكم كيت وكيت!“أمثالي يشعرون بإضافة نوعية لهذه القسوة من خلال هذا الشرخ الكبير في توزيع الدفء وتوزيع بهجة الحياة.الآن تبدو مدينة ڤيينـّا أقسى مدن الدنيا عليَّ. الوحدة فيها موت بارد للنفس والبرد فيها حياة مؤلمة للجسد. أشعر بشرخ عميق الآن في جسدي وعقلي، على نهاري وعلى ليلي. صدع تحت ذاكرتي لا يرمّمه أيّ نسيان.أنا الآن في هذه المدينة العريقة الرهيفة الشفّافة العجوز المتجمّلة، القاسية حدّ تمويت أمثالي، الطاردة والمهمِّشة لمن هم على شاكلتي. لم أعُد أسأل نفسي أبدًا هذه ’اللِّماذات والماذات‘ الساذجة العبيطة التي تتردّد على أفواه الحائرين: ”لماذا أنا هنا؟ وماذا أفعل في هذه المدينة؟ ولماذا لا أعود؟“ بل أسأل نفسي كثيرًا: ”كيف أحلّ هذه الورطة؟ كيف أخرج بأقلّ خسارة من هذه اللعبة التي لا يمكن الانسحاب منها؟ كيف أستمر في الحياة دون أن أموت فيها؟“أنا الآن هنا. أنا هنا في ڤيينـّا.)ّا

 ويصف الوقت لساندرا كالتالي:

(”هُنَا أصبحتُ بالتدريج مِثلَ الناس، أخشى الزمن، وأتوقَّعُ في كلِّ لحظةٍ أن يتغيَّر الحالُ إلى ما لا أدري. أصبحتُ أنتظر شيئًا لا أعرفُه وأخافُ منه. أعيشُ الآن في وقتِ الناس هنا؛ الوقت الخطر. أتعرفون؟ لقد أتَيْتُ من بلادٍ بعيدةٍ تَرْعَى فيها الوقتَ أمامَها كالغنم. تقول له:’ قِفْ! فيقف، سِرْ! فيسير‘. تَهُشُّهُ أمامَها وعند أوَّلِ شجرةٍ تستلقي لتستريح، ثم تنام على الوقت دُونَ ساعةٍ أو حساب، وحين تصحو تَهُشُّ الوقتَ أمامَها إلى بُيوتِهَا من جديد ثم تنعس.هُنَا الوقتُ خلفَ الناس مثل حيوان كاسِرٍ يجري خلفَ كلِّ واحد، ينهَشُ البطيءَ ويلتهمُ العاجز؛ إنه فوق الناس مثل طائرٍ جارح. على المرء هنا أن يَرْكُضَ ويَرْكُضَ من الوقتِ حتى ينهار. عشتُ زمَنَ الناس هناك والآن أعيشُ زمنَ الناس هنا، ولا حيلة لي، ولا أدري أيّهما أفضَل. لكني تعبتُ في كلٍّ منهما. لذلك أتفلسف.“)


أما صديقه أبو درش فيصف الفيينـَّاويين كالتالي:

(”صدِّقني! كل هؤلاء الناس- ويقصد أهل ڤيينّا- تجرّهم ساعات أيديهم مثلما يجرّون هم الكلاب. يهرعون في الشوارع كالمجاذيب. يهرولون إلى مواعيد لا تنتهي. يصيبهم الهلع والصرع إن تأخّروا لدقائق عن مواعيد تافهة. تراهم متخشّبين كالأصنام على محطات الترام والأوتوبيس والمترو ينظرون في اتجاه واحد في انتظار وسيلة المواصلات القادمة، وإن ركبوا المواصلات كأنّ بينهم خصامًا. لا يتكلمون. وهم أسرع خلق الله في الاعتذار إن مسّ بعضهم بعضًا. يجلسون متباعدين عمدًا. وجوههم عصبية وفيها كآبة شديدة وأعينهم كل دقيقة على الساعة. يقرءون أي شيء حتى يتجنّبوا النظر إلى الآخرين. يعيشون كلّ شيء مخطّطًا ومبرمجًا ولا يتركون رصيدًا للمفاجآت؛ لذا ففرحهم مؤقّت ومرحهم محسوب، حتى حزنهم مخطّط، أمّا اكتئابهم فطويل الأمد!“. أقول له:
”أنت تبالغ يا ’أبو دَرش‘! ربما القليل منهم هكذا.“
يصرخ:
”أنا أبالغ؟! أنا أبالغ يا أبو هُريرة يا ساذج؟! طيّب انظر حولك!“ يشير بتلويحة رأس لسيدة متأنّقة تجلس بعيدةً وعلى رأسها برنيطة كبيرة وإلى جوارها زوجها الذي يتصبّب عرقًا في بذلة تبدو ضيّقة إلى حدّ ما. كأنهما صعدا ليشرح عليهما نظرّيته. يكمل حديثه:
”هل يمكن أن تشرح لي ما وظيفة هذه البُرنيطة- الأروانة التي على رأسها؟ إنها أكبر من المكان الذي تجلس عليه. وما معنى ربطة العنق- المِشْنَقَة هذه عند زوجها؟ إنه يكاد يختنق، لكنه يتباهى بها. إن الرجال هنا يحترم بعضهم البعض عبر هذه الخنقة الرابطة، تراهم مخنوقين بها لا يستطيعون تحريك أعناقهم، لكنهم مُصرّون عليها ويعتقدون بأنّ لها وقارًا وهَيْبة. إنه زيّ موحّد يا ’أبو هُريرة‘ ويا ويل من يخرج عنه في عرفهم!“ أضحك من وصفه المضحك، فيبتسم.)

المرأة ”الأخرى“:

المرأة في الرواية وفي الفن عمومًا تأخذ حيِّزًا كبيرًا في الاهتمام، فالمرأة الشرقية أو العربية عمومًا يتصوّرها الغرب في معظم الأحيان على أنها تلك المرأة المقيدة التابعة الملتزمة بيتها ولا تعمل، أو على أنها تلك الراقصة الشرقية البارعة التي تجيد الرقص. نلاحظ هنا أن التصوُّر الغربي يرى أن الصورة الأولى للمرأة التي لا تعمل هي صورة سلبية بينما صورة الراقصة إيجابية. والصورة نفسها لدينا لا تخرج غالبًا عن هذا المنوال، فالمرأة الغربية حرة حرية مباحة وتخرج من بيتها كما تريد وتفعل ما تريد، ولدينا كثير من التصورات غير الصحيحة، وإن كانت التصورات في الشرق من مازالت منقسمة ما بين مؤيد لفكرة مشاركة المرأة للرجل وخروجها وبين بقائها في البيت.

لاحظت أيضًا بين بعض كتابنا العرب أن من يكتبون عن امرأة ”حرة“ أو ”متحررة “، فهم يتجهون إلى مجتمعات أخرى غير التي يقيمون فيها، فالقداسة للأم والأخت والزوجة وبقية القريبات، ثم العشيرة أو العرق أو الدولة أو الديانة .... إلخ، أما المرأة المدنَّسة التي هي في منزلة العشيقة والصديقة والنديمة فهي إما امرأة لا أصل لها أو أوروبية أو عربية من مجتمعات أخرى أكثر تحررًا من المجتمعات المقيدة. وقد شدَّني من الكتاب الزملاءُ الذين مازالوا يرون في المرأة الأوروبية تلك الفريسة الدائمة وما زالوا، رغم سنواتهم الطويلة في الغرب غير مستطيعين فهمها وفهم طبيعتها ونهج تفكيرها.
 جذبني هذا النموذج في بداية كتاباتي، فكتبت قصة ”الفريسة“ من مجموعة ”الجمل لا يقف خلف إشارة حمراء“ [مرفقة في نهاية النص]* والتي ذكر لي الصديق صنع الله إبراهيم يومًا، أنني أحرقت عليه قصة هامة بتبكيري بكتابة هذه ”الفريسة“.

مقاطع من القصة:

(الطريق طويل. ينقسم إلى قسمين يفصلهما خطٌّ أبيض، أحدهما للمشاة والآخر للدراجات. دائمًا أخلط بينهما، فترنُّ أجراس الدراجات خلفي حين أكون مبحلقًا في فتاة، أو مائلاً إلى أخرى بعيدة وحيدة في سرعة من يحاول النـزول ببطء من سفح جبل شديد الانحدار. لا أهتمُّ باختلاف مظهري وشكلي بل وملابسي، فمعظمهم يلبس لباس البحر وأكون أنا غالبًا في ملابس شبه شتوية تثير الضحك أحيانًا وتُثقل صدور المجهدين بالقيظ أحيانًا أخرى. فُزْتُ بحكايات نادرة ومحاولات سخيفة جَمَّلتُها وحسَّـنتها وأضفتُ إليها بعض التزويق والحشو المناسب أثناء روايتها على زملائي وعلى الْجُدد غير المجرِّبين.)

(انصرفوا وبقيتُ معها نُكمل حديثنا. لا أعرف كم طلبت، هي طلبت ثلاثة أرباع من النبيذ الأحمر، وكنت أطلب دائمًا شايًا أو قهوة حتى لا أفقد وعيي وتضيع مني تفاصيل الحكاية المثيرة إذا ثملنا معًا. كانت الساعة تقترب من الحادية عشرة ليلاً حين أرادت أن تتمشى قليلاً. جاءت الجرسونة فدفعتُ الحساب في كرم ملحوظ وتصميم أكيد أنَّبَـني عليهما ضميري وديوني المرهقة، لكنَّ الفريسة في يدي وكل شيء يسير أفضل مما توقعت، بل حتى اللحظة يمكن رواية الكثير للزملاء.)

(سارت تتمايل أمامي وتقفز خلفي كالغزالة البريئة وكانت الخمر قد لعبت برأسها، بينما أنا هادئٌ أحفظ كلَّ لحظة وكل حركة كي أحكيها غدًا وبعد غد والعام المقبل وأُحْيي الذكرى أمام الزملاء والأصدقاء في كل سهرة ولقاء.
- ”ما رأيك في تناول فنجان من القهوة معي في البيت؟“
قالتها دون أن تنظر إليَّ. ارتبكتُ. لم أكن أتوقع أن يُختصر الطريق هكذا، فرددت دون تفكير:
”طبعًا، طبعًا، إنني أيضًا أرغب في تناول القهوة“.
سرتُ صامتًا ذاهلاً، هي تُرَدِّد بعض الأغنيات، وأنا أشاركها بابتسامتي العريضة الشهيرة. أمسكتْ بيدي، فسرتُ معها كطفل ضالٍّ يبحث عن أهله.)

صورة الأنا-الآخر (الأنآخر)تفرعت من مقدمة البداية إلى الذاتي من تجربتي في الشرق وفي الغرب وكتاباتي التي سُجِّلت كلها تقريبا في فيينـَّا. هذا الغرب أصبح مكونا من مكوناتي ورافدًا لها أو منها. ويظهر أثر فيينـَّا وأوروبا بوضوح على معظم ما أكتب، فالإقامة الطويلة لربع قرن والاحتكاك الدائم بكافة الأعمار والجنسيات رجالاً ونساء، سواء طالبات أو طلاب، أو زميلات وزملاء عمل، صديقات وأصدقاء، أو جيران، أو كاتبات وكتاب. أثرياء أو فقراء، مدينة أو ريف (حيث أقضي وقتًا طويلاً في الريف النمساوي كل عام وبانتظام)، وغير ذلك الكثير خارج العلاقات الاجتماعية ونسق العادات والتقاليد. كل ذلك جعل من هذا ”الآخر“ الغربي جزءًا منّي؛ جزءًا لا يتجزأ من ”الأنا“ أفهمه ويفهمني. أيضًا داخل هذا ”الآخر“ الغربي- الذي يرتبط معي بعلاقة ما- صار جزءا من ”الأنا“؛ فلم أعد بالنسبة له ”آخر“صافيًا و لم يعد بالنسبة لي ”آخر“صافيًا. وليس عيبًا أن تتغير الصورة النمطية الفارقة بين ”الأنا“ و”الآخر“ على الأقل في حالتي وحالة أمثالي لتصير صورة ”الأنا-الآخر“ أو لتقترب لتكون ”أنآخر“.

(فيينـَّا في 1 مايو 2008)

*  الجمل لا يقف خلف إشارة حمراء، مجموعة قصصية، القاهرة، الحضارة للنشر، الطبعة الأولى، ديسمبر 1993 (الفريسة، ص ص15-21)
**  مدن بلا نخيل، رواية، القاهرة، الحضارة للنشر، الطبعة الثالثة، يناير 2006/ طبعة ثانية، القاهرة، 1999/ طبعة أولى، كولونيا، ألمانيا 1992
***  بيت النخيل، رواية، القاهرة، الحضارة للنشر، الطبعة الأولى، فبراير 2006